ديمقراطيــة الناتــو مليـون قتيـل عراقـي وخمسـون ألـف ليبـي
د.نسيب حطيط
أعلنت الإدارة الأميركية وحلفائها حملة تضليلية لتعميم الديمقراطية ،بطريقة دموية لتقسيم الدول والسيطرة على ثرواتها ، ففي النموذج العراقي والأفغاني اختارت أميركا وحلفائها أسلوب الإحتلال والغزو المباشر لإسقاط الديكتاتور صدام حسين في العراق وحركة طالبان في أفغانستان ولتأسيس ديمقراطية غربية، فكانت النتائج تقسيم واقعي للعراق لثلاثة كيانات كردية في الشمال وشيعية في الجنوب وسنية في الوسط ضمن فدرالية غير معلنة ووحدة سياسية هشة تعتمد على المذهبية والقومية،بكلفة بلغت المليون قتيل ومليون جريح ومعوق وخمسة ملايين أرملة ويتيم ،ونهب للمتاحف التاريخية وللنفط، وتدمير للمجتمع العراقي وانعدام للأمن عبر النزيف اليومي بالسيارات المفخخة والاغتيالات.
أما في أفغانستان فعشرات الآلاف من القتلى المدنيين وزيادة زراعة المخدرات خاصة الأفيون وانعدام السلطة ، وبقاء طالبان حيث يسعى الأميركيون للتفاوض معها وفي نهج جديد اختار الأميركيون وحلفائهم أسلوب ركوب الثورات واستغلالها، فكانت ليبيا التجربة الأولى من خلال استبدال الغزو المباشر باستغلال المعارضة الشعبية واكتفاء الأميركيين عبر حلف الناتو في الإدارة والتخطيط والقصف الجوي، فكانت النتيجة بعد ستة أشهر وفق المجلس الإنتقالي ، خمسين ألف قتيل ليبي ومئة ألف جريح ومئة وخمسين ألف مفقود أي ما مجموعه ثلاثماية ألف ليبي، ولم تنته لمعارك بعد ولم يسقط القذافي الذي يدعمه الأميركيون حتى اللحظة لحاجتهم إليه لتأمين إنجاز مشروع (تقسيم ليبيا) كنقطة بداية لتقسيم شمال أفريقيا والمحطة الثانية هي الجزائر عبر إثارة مشكلة البربر والأمازيغ.
فإذا كانت نسبة القتلى والجرحى الليبيين تساوي حوالي 5% من مجموع الشعب الليبي الذي يبلغ عديده حوالي خمسة ملايين نسمة، فإن كلفة الديمقراطية الأميركية في سوريا ستبلغ حوالي مليون ونصف المليون كحد أدنى مع فارق أساسي أن القتلى في ليبيا كانوا ليبيين من طرفي النظام والمعارضة، ولم تتأثر البلدان المجاورة بتداعيات النزاع المسلح، أما في سوريا فإن تسليح المعارضة السورية الذي تسعى إليه أميركا عبر تكليفها للأتراك برعاية هذه الثورة ودعمها ،فإنه سيمتد مباشرة إلى الأمن الإسرائيلي وسيستدعي تدخل إيران وحركات المقاومة في لبنان وفلسطين وإدخال الساحة العراقية لوجود الاحتلال الأميركي فيها، مما يعني إنتشار المعارك العسكرية في سوريا إلى الجوار بدون إستثناء ،وإنتقال المشهد السياسي من معارضة شعبية تطالب بالإصلاحات إلى حرب مكشوفة كان جمرها تحت الرماد منذ أن اعلنت أميركا أهدافها لرسم الخريطة الجيوسياسية للشرق الأوسط الجديد في حرب تموز2006 على لبنان، هذا المشروع الذي يرتكز على تقسيم الكيانات والدول التي ولدت عبر معاهدة( سايكس- بيكو) إلى كيانات أقل قوة وأصغر في الجغرافيا ونقية طائفيا ومذهبيا وقوميا على غرار تقسيم السودان بين شمال وجنوب، والعراق وما تسعى إليه أميركا في ليبيا وشمال أفرقيا، وبالتالي فإن الخسارة الأميركية وحلفائها الأوروبيين والعرب واضحة في حال نقلهم للتجربة الليبية إلى سوريا، وسيكون القتلى أكثر عددا وأكثر تنوعا من الإسرائيليين والأميركيين والأتراك والعرب الخليجيين ،وستصل شظايا التقسيم إلى البلدان المجاورة في لبنان وتركيا امتدادا لدول الخليج، وسيكون المسيحيون أولى ضحايا الديمقراطية الأميركية في سوريا كما كانوا ضحايا الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وكما كانوا ضحايا الاحتلال الأميركي للعراق، وإذا تحققت نجاة المسيحيين في لبنان بعد الحرب الأهلية وفشل المشروع الأميركي لتهجيرهم و تقسيم لبنان، فإن نجاتهم مرة جديدة ستكون رهن موقفهم المنجاز إلى محيطهم وأوطانهم وعدم المراهنة على الأميركيين ،فالأميركي لا يعرف إلا حماية مصالحه والتضحية بأتباعه كما هو مصير الشاه وحسني مبارك وصدام حسين وعميلهم الأخير معمر القذافي.
فهل يعود اصحاب الرؤوس الحامية في لبنان إلى رشدهم وعدم اللعب بالنار التي ستحرق الأخضر واليابس والحاضر والمستقبل ،وكل الأحلام الموهومة والوعود الكاذبة.